بسمه تعالى
أدلة اثبات وجود الله سبحانه و تعالى
بقلم: الدكتور السيد خليل الطباطبائي
أهمية الايمان في حياة الانسان :
للايمان بالله سبحانه و تعالى أهمية كبرى في حياة الانسان ، و ذلك لأن القانون الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي الذي يريد أن يتبعه و يرجوا به السعادة في الدنيا يعتمد على ذلك بشكل كامل . كما أن سعادة الانسان في الآخرة و نجاته من العذاب و الهلاك تعتمد على مدى ايمانه بالله سبحانه و تعالى و التزامه العملي بذلك. اذا هي مسألة في غاية الأهمية ، ويمكن القول بأنه لا يوجد في حياة الانسان ما هو أهم منها ، لأن فيها السعادة و النجاح في الدنيا ، و النعيم الخالد في الآخرة.
و اذا كان الايمان بالله بهذه الدرجة من الأهمية ، فلا عجب اذا كان ذلك يستدعي أن يكون البحث عنه بشكل مفصل و باسلوب عملي و عقلي دقيق لكي يصل الانسان الى درجة اليقين و القناعة التامة في صحة معتقدة و ايمانه ويدفعه هذا الايمان الراسخ العميق الى الالتزام الكامل بأوامر الله سبحانه و تعالى وواجباته ، و الابتعاد كليا عن نواهيه و محرماته .
و قد تطرق العلماء و الفلاسفة الى أدلة و براهين كثيرة في اثبات وجود الله سبحانه و تعالى ، لذلك نرى من المفيد في بداية هذه السلسلة من المقالات أن نلخص هذه الطرق لكي يكون موقع كل بحث من البحوث الآتية واضح للقارىء الكريم.
أدلة اثبات وجود الله سبحانه و تعالى
توجد عشرات الأدلة و البراهين في اثبات وجود الله سبحانه و تعالى ، نلخصها في مايلي:
1- دليل الفطرة
2- الأدلة الحسية و العلمية (من خلال دراسة نظام المخلوقات)
· دليل النظم
· دليل الهداية الذاتية للمخلوقات
· دليل الحدوث و نفي القدم عن العالم
· دليل الاستقراء و نفي الصدفة و الاحتمال
3- الأدلة العقلية و الفلسفية:
· برهان الحركة ل(أرسطو)
· برهان الامكان و الوجوب ل(ابن سينا)
· برهان الصديقين ل (الملا صدر الدين الشيرازي)
· دليل العلة و المعلول و نفي الدور و التسلسل
· برهان الوجوب و الضرورة
4- الأدلة القرآنية: و هي كثيرة ، و من أهمها:
· برهان الفقر و الامكان للمخلوقات
· الافول و الغروب و دلالته على وجود مسخر
· الآيات في الآفاق و الانفس.
· برهان النظم
· برهان التدبير
أولا " دليل الفطرة "
تعريف الفطرة:
في قاموس اللغة: " الفطرة تعني الخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه "
و في أقرب الموارد " الفطرة هي الصفة التي يتصف بها كل مولود في أول زمان خلقته ".
فاذن معنى الفطرة هو الطبيعة الجسمية و النفسية التي يخلق بها الانسان ،اذ يولد في الدنيا وتولد معه الغرائز و الأحاسيس و العواطف وا لقابليات. انها الانسان بما هو قبل أن يتأثر بأفكار أسرته و معلمه و مجتمعه.
شرح الدليل:
و دليل الفطرة يعتمد على أن الانسان لو ترك و ذاته ، بدون معلم أو مربي ، فانه يشعر في أعماق نفسه ، و بما أودعه الله في خلقته بأن لهذا الكون خالقا خلقه ، و مكونا كونه ، و مبدعا أبدعه ، و مدبرا دبره. هذا الشعور نابع من فطرته و ذاته و ليس مما تعلمه من والديه و أهله. يولد معه ، و ينمو معه ، و يبقى معه. لا يتغير بتغير الظروف ، و لا يمكن انتزاعه من نفسه ، لأنه جزء لا يتجزء منها. فكما أن غرائز الانسان ذاتية له لا يمكن فصلها عنه و لا تحتاج الى تعليم معلم ، و كما أن عواطف الانسان و أحاسيسه جزء من خلقته و كيانه البشرى ، فان شعوره الفطري الذاتي يدفعه دائما الى الايمان بأن لهذا الكون خالقا و مدبرا وربا.
و لو افترضنا انسانا يولد في الصحراء بعيدا عن تعليم الأهل و المجتمع ثم يكبر هذا الانسان حتى يبلغ سن الرشد ، فانه كما يعرف غرائزه و أحاسيسه فسيعرف أن له ربا و خالقا خلقه و أوجده من العدم . و كما يعرف أنه يحتاج الى الطعام لسد جوعه ، و الى الشراب لارواء عطشه ، و الى الجنس لشهوته وغير ذلك من غرائز في ذاته ، فانه ليعرف كذلك من خلال فطرته بأنه بحاجة الى خالق لخلقته و موجد له يوجده من العدم. انه يبحث بذاته و يتساء ل من أين جاء؟ و الى أين سيذهب ؟ ، و لماذا هو في هذه الدنيا؟ و لابد أن يكون له خالقا خلقه و كونه و أبدعه. فهو يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى ويتوجه اليه في حاجاته وخصوصا عند الشدائد بدون خاجة الى من يعلمه ذلك .
هذه خلاصة دليل الفطرة ولابد لنا أن نعرف الفرق بين الفطرة والغريزة لكي لا يلتبس الامر علينا .
الفرق بين الفطرة و الغريزة:
الفطرة هي أشمل من الغريزة اذ تجمع بين الغريزة و الاحاسيس ، و الافكار و المعلومات الأولية التي يعرفها كل انسان بدون حاجة الى معلم و مربي ، و هي العلوم البديهية الضرورية ، و يشترك فيها كل انسان لانها جزء من انسانيته و ما يمتاز به عن غيره من المخلوقات الأخرى مثل الحيوان و الملائكة و الجن.
و الفطرة تدفع الانسان نحو الكمال و الرقى ، بينما الغرائز لا جهة لها سوى تأمين الحاجة الانسانية المعينة التي يحتاج اليها جسمه .
و الفطرة تهتدي بهدى العقل ، أما الغريزة فهي لا ترجع الى المعرفة لانها أحاسيس جسمية ، و لكن العقل يمكنه أن ينظمها و يرشدها الى الكمال الانساني .
الفرق بين المعرفة الفطرية والمعرفة غير الفطرية (الاكتسابية) :
من الضروري هنا أن نعرف الفرق بين المعرفة الفطرية والمعرفة غير الفطرية (الاكتسابية) لكي نطمئن الى أن الايمان بالله من الامور الفطرية وليس من رواسب البيئة والتربية . و هذه الفروق هي ما يلي:
1- المعارف الفطرية تتحقق بوحي الفطرة و هدايتها و لا تحتاج الى تعليم معلم لتحققها ، و يكون دور المعلم في تربيتها و تهذيبها.
أما العلوم والمعارف الغير فطرية مثل تعلم الطب والهندسة والتاريخ والآداب وغيرها، فانها تحتاج الى تعليم معلم لكي يتعلمها الانسان و بدونه يبقى جاهلا بها.
2- العلوم و المعارف الفطرية عامة لكل البشر و توجد في كل انسان بغض النظر عن ثقافته أو موقعه الجغرافي ، أما الأمور الغير فطرية فهي تختص ببعض الناس دون غيرهم ، فمن أمكن له أن يتعلمها عرفها ، و من لم تسنح له الفرصة لذلك يبقى جاهلا بها.
3- المعارف الفطرية ، لا تخضع للعوامل الجغرافية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها ، أما المعارف و الامور الغير فطرية فانها تتأثر بالعوامل المختلفة لأنها اكتسابية .
4- الدعاية و الاعلام قد تضعف أثر القناعات الفطرية و لكن لا يمكنها أن تزيلها كليا لأنها جزء لا يتجزء من ألانسان ، أما العلوم الغير فطرية فانها قد تستأصل كليا بالدعاية و ما تسببه من غسيل لدماغ الانسان و تغيير في أفكاره و قناعاته ، وذلك لأنها مكتسبه و يمكن استبدالها بمفاهيم و علوم مكتسبة اخرى تتغلب عليها.
الفطرة و علم النفس:
يقوم علم النفس على دراسة النفس الانسانية من جوانب مختلفة. و يذكر علماء النفس للانسان ميول و أحاسيس طبيعية متعددة يختلفون في تحديدها و عددها ، و لكنهم متفقون بشكل عام على ان الانسان له الاحاسيس الفطرية التالية:
1- الاحساس باللذة و الألم
2- الاحساس بالعواطف و الشهوات.
3- الميول الشخصية مثل حب الذات و الرغبات الجنسية التي هدفها الانسان نفسه .
4- الميول الراقية التي تدفع الانسان نحو الكمال مثل:
· حب الاستطلاع و البحث عن الحقيقة الذي يدفع الانسان لاكتشاف العلوم المختلفة و يؤدي الى التقدم العلمي.
· حب الجمال: و يدفع الانسان الى الابداع في مجال الفن و الرسم و التخطيط الاجتماعي للبيوت و المدن.
· حب الخير: و هو سبب وجود الاخلاق الفاضلة و الصفات الانسانية الحميدة .
· حب التدين: و هو الاحساس بوجود الله سبحانه و تعالى الذي يدفع الانسان الى الايمان به و الالتزام بالدين الذي أنزل من الله سبحانه و تعالى.
و من هنا نرى أن الفطرة الانسانية تجد في اعماقها دافع الايمان بالله سبحانه و تعالى و حب الالتزام بالدين ، مثلما تحس بأهمية الاخلاق الفاضلة و حب الجمال و الاستكشاف للعلوم الطبيعية الذي ادى الى تطور البشرية في المجالات التقنية و العلمية. فالدين و الاخلاق و حب الاستطلاع و حب الوطن كلها قيم انسانية حقيقية تنبع من ذاته و فطرته و لا تحتاج الى تعليم معلم ، بل تحتاج الى تهذيب و توجيه لكي تقود الانسان الى الكمال و الرقى و التقدم و السعادة و الرفاه.
دليل الفطرة في القرآن الكريم:
يشير القرآن الكريم الى دليل الفطرة لمعرفة الله سبحانه و تعالى في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى:
1- (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) سورة الروم ، آية30
2- (واذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين اليه ثم اذا أذاقهم منه رحمة اذا فريق منهم بربهم يشركون ) سورة الروم ، آية 33
و هذه الاية الكريمة تشير الى نقطة مهمة و هي ان الانسان في حالة الضر و الحاجة الصعبة التي لا يمكن لاي جهة مادية حلها وتامينها ، فانه لا خيار له سوى الرجوع الى المعرفة الفطرية التي تربطه بالله سبحانه و تعالى ، لذلك يتوجه لربه و يدعوه باخلاص و تضرع. و لكن اذا اذاقه الله رحمة فانه يتنكر لفطرته و يتبع ما تعلمه من الناس من مفاهيم مادية و الحادية مغلوطة ، فيرجع الى الشرك بربه والكفر بخالقه ورازقه .
فاذن يتجلى الايمان الفطري بالله سبحانه و تعالى في لحظات الضر و الحاجة و الفقر و الفاقة ، و الانقطاع من امكان الحصول على نفع من الناس لعجزهم عن مساعدته. في مثل هذه الظروف القاهرة التي تبين لذات الانسان ضعفه و ضعف المخلوقات كلها ، يتوجه بوحي من فطرته الى الله سبحانه و تعالى لانه يعلم ان الله قادر على مساعدته و انقاذه من محنته.
الفطرة في الأحاديث الكريمة:
وردت الاشارة الى التوحيد و المعرفة الفطرية في كثير من الأحاديث الكريمة لأهل البيت عليهم السلام. و من هذه الاحاديث ما يلي:
1- قال النبي (ص): " ما من مولود الا يولد على الفطرة ثم أبواه يهودانه أو ينصرانه او يمجسانه" ، ثم قال (ص): " فطرة الله التي فطر الناس عليها"
2- عن زرارة ، عن أبي عبد الله الصادق (ع): قال سألته عن قول الله عز و جل: " فطرة الله التي فطر الناس عليها " قال: فطرهم على التوحيد .
3- عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق (ع): قال سألته عن قول الله عز و جل " فطرة الله التي فطر الناس عليها " ما تلك الفطرة؟ قال (ع): هي الاسلام ، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد فقال: " ألست بربكم " و فيه المؤمن و الكافر.
4- عن عبد الله بن كثير عن أبي عبد الله الصادق (ع) في قول الله عزوجل: " فطرة الله التي فطر الناس عليها " قال (ع): التوحيد و محمد رسول الله و علي أمير المؤمنين.
5- سأل محمد بن حكيم من الامام الصادق (ع) عن المعرفة من صنع من هي؟ فقال (ع): " من صنع الله ، ليس للعباد فيها صنع".
6- و قال الامام علي (ع): في نهج البلاغة (الخطبة الاولى): " فبعث فيهم رسله ، وواتراليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذكروهم منسى نعمته ، و يحتجوا عليهم بالتبليغ ، و يثيروا لهم دفائن العقول ".
و نرى من خلال هذه الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة و غيرها كثير ، أن الفطرة الانسانية جبلت ليس فقط على الايمان بالله سبحانه و تعالى و انما أيضا على الايمان بنبوة النبي محمد (ص) و على الايمان بامامة و ولاية علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
و كذلك نرى بعض الآيات و الأحاديث تشير الى أن هذه المعرفة الفطرية كانت في "عالم الذر" حين أخذ الله ميثاق بني آدم على معرفته و توحيده بقوله تعالى "ألست بربكم" فأجابوا جميعا " بلى" و كان الجواب من جميع البشر سواء منهم من سوف يؤمن بالله في دار الدنيا و من يتنكر للمعرفة الفطرية و يكون كافرا و ملحدا بالله تعالى.
و الحديث عن عالم الذر و تفاصيل ما جرى فيه يحتاج الى تفصيل عسى أن نوفق له في وقت آخر.
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين.
تنبيه: يحق للجميع الاستفادة من المقالات في صفحة المجتبى و يرجى إخبارنا على ما استفدتم منه