بسمه تعالى

الصفات الالهية

بقلم: الدكتور السيد خليل الطباطبائي

اذا كان البشر متفقين على الايمان بوجود الله سبحانه وتعالى كخالق للكون وذلك انطلاقا من وحي الفطرة الانسانية التي تدعوهم الى ذلك وكذلك العقل السليم ، فان المشكلة الرئيسية التي يختلفون فيها اختلافا كبيرا هي معرفتهم بالصفات الالهية الصحيحة . فالثنوية يؤمنون بالهين ويعتقدون   بامكانية ذلك . والبوذيون والهندوس يؤمنون بأن لهذه الأصنام ارتباط مباشر بالله فهي تمثله بشكل من الأشكال ولذلك فهم يعبدونها . وأهل الديانات السماوية يؤمنون بالله تعالى ولكن يصفونه بما لا يليق به ، كاليهود اذ يجعلون لله ولدا(عزير ابن الله ) و بعض النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة .  والمسلمون أيضا اختلفوا في صفات الله اختلافا كبيرا ، اذ يعتقد الحنابلة وهم من المجسمة بأن لله يدا ووجها وساقا يكشفها يوم القيامة وأنه يرى بالعين في الآخرة . وآخرين خلطوا بين صفات الذات والأفعال فجعلوا له أجزاء تنفي عنه البساطة . وهكذا نجد كيف أن عدم فهم الصفات الالهية بشكل صحيح يمكن أن يؤدي بالانسان الى الكفر الصريح أو المستتر ، وهوانحراف خطير في العقيدة وفي معرفة الله جل وعلا .

    ولما كان البحث دقيقا وشائكا ، لذلك سنحاول تلخيص الرأي الحق فيه ونترك التفاصيل للموسوعات العقائدية التي تطرقت اليه .

 

الفرق بين المادي واللامادي

 

 ان الله سبحانه وتعالى موجود لا مادي ولا تنطبق عليه قوانين المادة ، لذلك من الضروري أن نتعرف على الفروق الأساسية بين المادة واللامادة لتسهل علينا معرفة الصفات الالهية .

توجد أربعة فروق جوهرية بين الموجودات المادية والموجودات اللامادية وهي كما يلي :

1-     الموجودات المادية بحاجة الى الزمان لوجودها ،  ولكن الموجودات اللامادية لا تحتاج الى الزمان ولا تقع تحت تأثيره ،  لانها خارج مقولة الزمان .

2-     الموجودات المادية بحاجة الى المكان لوجودها لأنها تشغل حيزا ، ولكن الموجودات اللامادية لا تحتاج الى المكان .

3-     الموجودات المادية قابلة للتقسيم الى أجزاء متعددة ، ولكن الموجودات اللامادية غير قابلة للتقسيم .

4-      الموجودات المادية متغيرة بمرور الزمن ، أما الموجودات اللامادية فانها تبقى كما هي بدون تغيير .

ولتوضيح هذه الفروق نضرب مثلا بين الروح والجسد.

 فالجسد بما هو موجود مادي فانه يوجد في زمان معين ويحتاج الى حيّز ومكان لوجوده . ويمكن أن نقسمه الى عدة أقسام ونجزأه الى أجزاء صغيرة . كما انه يتغير شكله بمرور الزمن اذ كان عدما ثم صار نطفة فوليدا وشابا وشيخا ثم يموت ويتحول الى رفات . فالتغير والتبدل من صفات الجسد التي تمر به في كل يوم بل في كل لحظة من حياته .

أما الروح ، فلا يمكن الحديث عن حاجتها الى المكان أو الزمان ، اذ هل يمكن أن نقول كم روحا تسع هذه الغرفة ؟ وكم روحا يمكن أن تملأ الاناء ؟!! . ومن الطبيعي أن يكون الجواب أن الروح لا تشغل حيزا في الفراغ ، فلا يصح تصور طول أو عرض أو ارتفاع لها ، ولا يصح الحديث عن حاجتها للمكان أو الزمان ( الذي يتكون من حركة المكان ). وكذلك فان الروح لا يمكن تقسيمها الى أجزاء فهى واحدة لا تتجزأ . والروح تبقى كما هي ولا تتغير بمرور الزمن لأنها لا تكبر ولا تصغر ولا تنمو ولا تتغير .

  وقد يظن البعض أن الروح داخل الجسد فهو اذن مكان لها ، ولكن هذا التصور غير صحيح  ، لأن الروح ليست داخل الجسد وانما هي مرتبطة به بشكل خاص فتدير شؤونه وتبعث فيه الحياة والحركة . والروح لا تتمكن من اظهار قدرتها على الحركة أو السمع أو البصر الا من خلال الجسد الذي يتحرك ويسمع  ويري بها ، فاذا فقدها سقط جثة هامدة لاتتحرك ولاتسمع ولا ترى . ويمكن تصور العلاقة بين الروح والجسد كالعلاقة بين الكاتب والقلم . فان الذي يكتب هو الانسان الكاتب ولكنه لا يستطيع اظهار قدرته على الكتابة الا من خلال القلم الذي يتحرك ويخط الكلمات ويسود الصحائف . والانسان ليس موجودا داخل القلم ولكنه متصل به ويحركه بهذا الاتصال . وكذلك الروح فهي التي تشعر وتسمع وتري ولكن من خلال الجسد الذي هو آلة لها كما القلم آلة للكتابة .  وهذا المثال ضربناه للتوضيح وللدقة العلمية فان الروح من الموجودات المجردة التي تختلف عن اللامادة المطلقة ولذلك فهي لها امكانية نوع من الارتباط بالمادة .

 

التقسيم العام للصفات الالهية

 

هناك تقسيمات متعددة تذكر للصفات الالهية وربما من أحسنها تقسيمها الى الصفات الثبوتية والصفات السلبية وهي كما يلي :

1-   الصفات الثبوتية

 وهي صفات الكمال والجمال له سبحانه وتعالى ، وتشمل صفات الذات الالهية المقدسة وصفات الافعال ، وهي من الكمالات التي لابد أن تكون له جل وعلا بالشكل الكامل والمطلق ، وسلبها عنه تعالى يؤدي الى النقص والحاجة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . وتقسم الصفات الثبوتية الى صفات الذات وصفات الأفعال .

1-     الصفات الثبوتية الذاتية (صفات الكمال ):

     وهي الصفات التي يكون اثباتها كمال وسلبها نقص وتقسم الى قسمين :

أ‌-       الصفات الذاتية الحقيقية : وهي صفات وجودية ثابتة للذات المفدسة ثبوتا حقيقيا ومتحدة مع الذات ، وحقائقها عين حقيقة الذات من غير اختلاف بينهما الا في الالفاظ والمداليل على سبيل الالفاظ المترادفة المختلفة لفظا ومفهوما مع ما بينها من وحدة حقيقية (كلفظي الانسان والبشر مثلا ). ويكفي في وصف الذات الالهية بها تصور نفس الذات وحسب من دون تصور شيىء آخر . ولذلك فانها تجري على الذات بالاثبات دائما ولا يمكن سلبها عنه تعالى .وهذه الصفات مثل الحياة والقدم والعظمة ، فانها ثابتة بشكل دائم للذات الالهية ولا يمكن سلبها عنه سبحانه وتعالى .

ب‌-  الصفات الذاتية ذات الاضافة : وهذه الصفات ثابتة للذات الالهية ولكن لتصور مفهومها نحتاج الى تصور طرف ثان ، مثل العلم والقدرة اذ لتصور العلم نحتاج الى تصور المعلوم الذي يقع عليه العلم ، ولتصور القدرة نحتاج الى تصور المقدور عليه .والله سبحانه وتعالى لا شك أنه عالم ولا معلوم ،  وقادر ولا مقدور ،   ولكن الانسان يحتاج لتصور العلم الى تصور طرف ثان وهو المعلوم.

 

     2-الصفات الثبوتية الفعلية ( صفات الأ فعال والجمال ) :

         وهي الصفات المنتزعة من أفعاله جل وعلا ولذلك يصح نفيها أو اثباتها له تعالى لأن صدورها يكون حسب الحكمة والمصلحة ، مثل الخالق والرازق والمحيي والمميت والقابض والباسط وغيرها . فاذا رزق الله انسانا يتحقق معنى الرازق واذا لم يرزقه لحكمة فهو غير رازق له ولكنه تعالى رازق لغيره . وهذا معنى جواز سلبها عنه تعالى تمييزا لها عن صفات الذات التي لا يمكن سلبها ، فالله سبحانه وتعالى حي وعظيم دائما ، ولكن قد يحيي انسانا ولا يحيي انسانا آخر غيره .

 ويمكن ارجاع صفات الأفعال جميعها الى صفة واحدة وهي ( القيومية ) ، لأن الرزق والخلق وغيرها من أفعال تعود الى أنه تعالى قيوم ، أي قائم بنفسه وكل شيىء في الوجود قائم به . قال تعالى ( الله لا اله الا هو الحي القيوم ) سورة البقرة آية255 .

ونجد في علم الكلام تقسيما خاصا للصفات الثبوتية يحددها بثمانية والصفات السلبية ويحددها بسبعة وهي كما يلي :

الصفات الثبوتية :

  1-العلم

  2- القدرة

  3-الحياة

  4-السمع

  5-البصر

  6-الارادة

  7-التكلم

  8- الغنى

ويضيف آخرون (الادراك ) لانه مدرك وهو من أقسام العلم . وكذلك يضيف بعض العلماء (الازلي ) و( الأبدي أو السرمدي ) لانه واجب الوجود .

الصفات السلبية :

1-  ليس بجسم

2-ليس بجوهر

3- ليس بعرض

4- غير مرئي

5-غير متحيز في مكان

6-لا يحل في غيره

7- لا يتحد بشيء

وهذه الصفات السلبية في الواقع هي من صفات الاجسام المادية ، لان المادة هي جسم ،  ولها جوهر ،  وتطرأ عليها الاعراض المختلفة كاللون والشكل ، وهي قابلة للرؤية ، وتحتاج الى مكان ، ويمكن أن تحل بغيرها مثل السكر الذي يذوب في الماء ،   ويمكن أن تتحد بغيرها مثل الاتحاد الكيمياوي للحوامض بالمعادن . ولما كان الله جل وعلا ليس ماديا ومنزه عن كل حاجة ونقص  ، لذلك فانه لا يمكن أن يتصف بأي من الصفات السلبية التي توجب النقص فيه سبحانه وتعالى  .

نفي الرؤية

  ويعتقد بعض المسلمين بأن الله سبحانه وتعالى يرى في يوم القيامة ، ولكن هذا خطأ بليغ لان الشيىء المرئي لابد أن يكون جسما ماديا ، والله سبحانه وتعالى منزه عن المادة . كما أن الجسم المادي يكون في جهة واحدة ولا يكون في غيرها ، ولكن الله سبحانه وتعالى في كل مكان ولا يخلو منه مكان . واذا كانت بعض الاحاديث تشير الى أن المؤمنين يرون ربهم في يوم القيامة فالمعنى أنهم  يرون رحمة ربهم الخاصة بالمؤمنين ،  أو أن يرون  الله بقلبهم وبصيرتهم وليس بأعينهم . والمؤمن يرى ربه في الدنيا والاخرة ولكن بعين البصيرة وليس بعين الباصرة .

نفي التثليث

ان نفي التحيز والحلول والاتحاد يعني عدم امكانية تحقق التثليث الذي يعتقد به بعض النصارى وذلك للأسباب التالية :

1-     ان الحلول يقتضي أن نحدد الله جل وعلا في مكان معين ، اذ يوجد حيث يوجد الجسد الذي حل فيه ، فلو قلنا بأن الله حل في المسيح (ع) ، فان المسيح انسان مادي والحلول فيه يعني تحديد الله في مكان واحد وعدم وجوده في الأماكن الاخرى من السماوات والارض ، وهذا لا يصح لأن الله لا يحويه مكان وهو في كل مكان ، فقد كان الله قبل أن يوجد المكان ثم خلق سبحانه وتعالى المكان والزمان .

2-     ان الحلول يعني التركيب في ذات الله ، والله بسيط ومنزه عن كل تركيب لا في الخارج المادي ولا في الفكر . لأن الأجزاء المركبة تحتاج الى المكان والله غني عن المكان . كما ان كل جزء يحتاج الى الأجزاء الاخرى  ليرتبط بها والله غني عن كل حاجة ،  حتي من الحاجة لأجزاءه . وكذلك فان التثليث يعني التركيب ، والتركيب يعني امكانية التقسيم الى أجزاء ، وهذه من صفات المادة والله منزه عن ذلك ، فهو البسيط الذي لا ينقسم لا في الخارج ولا في الذهن الانساني .

3-     التثليث يعني أن الله حادث وليس بقديم وهذا لا يصح للذات الالهية لانها قديمة وغير مسبوقة بحالة العدم . فالاتحاد أو الحلول الذي أدّى الى التثليث اما أن يكون قديما وهذا يعني تعدد القدماء وهو محال ، أو يكون قد حدث في حياة عيسى (ع) فيكون الله حادث وهو محال أيضا .

4-      ان التثليث يعني التغير في الذات الالهيه اذ كانت واحدة قبل الحلول أو الاتحاد ثم اتحدت , وهذا أيضا محال لأن اللامادة لاتتغير ولا تطرأ عليها الأعراض المختلفة ، فهي تبقى كما هي لا تتغير بمرور الزمان .

5-     التثليث يفترض أنه حدث في زمن معين ، ومعنى ذلك حاجة الذات الالهية الى الزمان وهو محال ،  لأنه تعالى كان قبل أن يكون هناك شيىء اسمه الزمان ،  ثم خلق الزمان الذي يتولد من حركة المكان . وكما ذكرنا فان اللامادة لا تحتاج الزمان لوجودها .

   

صفات الله في القرآن الكريم والسنة الشريفة

 وصف الله سبحانه وتعالى نفسه في آيات كثيرة من القرآن الكريم نذكر منها ما يلي

1-     ( الله لا اله الا هو الحي القيوم ) سورة البقرة آية 255 وهذه الآية تنفي الشريك له سبحانه وتعالى .

2-     (ليس كمثله شيىء وهوالسميع البصير ) سورة الشورى آية11 وهذه الآيه تنفي الشبيه له تعالى .

3-     ( بسم الله الرحمن الرحيم . قل هو الله أحد . الله الصمد .  لم يلد ولم يولد .  ولم يكن له كفوا أحد ) . وهذه السورة تشير الى أن الله أحد لا شبيه له ولا مثيل ، وهو صمد لا جزء له  ، كما انه السيد الذي يحتاج الوجود له وهو منزه عن كل حاجة ، وهو لم يلد أحدا لامتناع مجانسته واحتياجه للولد ،  ولم يولد من أحدلامتناع حدوثه لانه قديم ، وليس له كفؤ ولا مثيل .

4-     وروى أبو اسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور قال : خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يوما خطبة بعد العصر ، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله ، فقال : (الحمد لله الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه ،لأنه كل يوم في شأن من احداث بديع لم يكن . الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا ،  ولم يلد فيكون موروثا هالكا ،  ولم يقع عليه الأوهام فتقدّره شبحا ماثلا ،  ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلا .  الذي ليست له في أوليّته نهاية ، ولا في آخريته حدّ ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ولم يتقدمه زمان ،  ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان ،  ولم يوصف بأين ولا بمكان . الذي بطن من خفيّات الامور ، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير ....) .

ولأمير المؤمنين (ع) خطب كثيرة رائعة  في وصف الله سبحانه وتعالى ، مذكورة في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق وفي نهج البلاغة .

 والحمد لله رب العالمين

 

تنبيه: يحق للجميع الاستفادة من المقالات في صفحة المجتبى و يرجى إخبارنا على ما استفدتم منه